السياحة و الأثار

شارع الخليج المصرى

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

شارع الخليج المصري هو شارع بورسعيد حاليا وهو شارع يقص لنا حكايات كثيرة عن أيام مضت وعن تاريخ ولي وانقضي فهو لم يكن شارع تجوبه السيارات والدواب ويتجول فيه المارة سيرا على الأقدام كما نفعل اليوم بل كانت تشقه مراكب وقوارب التنزه الصغيرة وتعبره المارة من خلال قناطر وجسور بنيت فوقه على مسافات متقاربة إلى حد ما
والخليج المصري هو أحد المجاري المائية الصناعية التي شقها المصريون لتساعدهم على ري الأراضي الزراعية البعيدة عن مجرى نهر النيل ولم يكن للخليج المصرى ضفاف وكورنيش للتنزه فقد كانت البيوت تطل عليه مباشرة غاطسة في الماء كما نرى في مدينة البندقية الإيطالية كما يسميها العرب أو مدينة فينسيا والمسماة بالمدينة العائمة أو مدينة أمستردام العاصمة الهولندية
أسماء كثيرة حملها الخليج وعرِف بها وفاءا لكل يد ساهمت فيه وطورته إلا أنه يبقى في النهاية يحمل إسم الخليج المصري حيث ترجع بداياته إلي العصر الفرعوني خلال حكم الملك نخاو بن أبسماتيك وهو من ملوك الأسرة السادسة والعشرين عندما بدأ في أعمال الحفر لهذا الخليج ولكن لم يتم العمل في عهده وحاول من جاءوا بعده استكماله حتي اكتمل في عهد بطليموس الثاني في اواخر القرن الرابع قبل الميلاد فكان أن أطلق عليه خليج بطليموس ومن بعده كان الحكام يعيدون الحفر ويطهرون قاعه من الرواسب وأحيانا يغيرون مكان فم الخليج أى المكان الذى يبدأ عنده الخليج من نهر النيل ومن أشهر من أعاد الحفر كان الإمبراطور الروماني تراجان ولذلك أطلق عليه بعدها خليج تراجان ولما جاء الفتح الإسلامي لمصر في القرن الأول الهجرى الموافق منتصف القرن السابع الميلادى عام 21 هجرية الموافق عام 641م علي يد القائد العسكرى الداهية والصحابي الجليل سيدنا عمرو بن العاص خلال خلافة أمير المؤمنين الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين تمت تسميته خليج أمير المؤمنين
وأيضا كان يطلق عليه إسم الخليج الكبير تمييزا له عن خليج آخر أصغر منه هو الخليج الناصرى الذى تم حفره في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 725 هجرية الموافق عام 1325م والذى كان يستخدم في تزويد البرك والحدائق المتواجدة بكثرة حينذاك في القاهرة بماء النيل خاصة في وقت الفيضان ومن أشهر تلك البرك بركة الأزبكية وبركة الفيل وبركة الرملي
ويبلغ طول الخليج كامل محيط حدود مدينة القاهرة الكبرى وهو 46.2 كيلو متر ويبلغ عرضه في بعض الأماكن خمسة أمتار فقط ويتسع في أماكن أخرى فيصل عرضه إلى خمسة عشر مترا وكان إرتفاع الماء به في أيام الفيضان خلال شهر أغسطس وسبتمبر من كل عام يصل إلى ما يقرب من ستة أمتار وكان الخليج المصري والبرك المحيطة به مركز جذب نموذجي للسكن على ضفتيه فتسابق الميسورون والأغنياء والأعيان من أهل القاهرة على شراء الأراضي المطلة عليه وقاموا ببناء البيوت وتزيينها وألزمتهم الحكومة بمسؤولية تنظيف الخليج وتنقيته وتطهير مجراه من العوالق بحيث ينظف كل ساكن من السكان أمام منزله أما العامة من الشعب وغير القادرين على السكن على ضفاف الخليج فكان باستطاعتهم التمتع بمنظره والتنزه فيه وحضور الحفلات والمسامرات التي تقام حوله في أيام الأعياد والمواسم والعطلات
وبخصوص عبور ضفتي الخليج فكان من خلال مجموعة من القناطر وصل عددها إلي ما يقرب من 16 قنطرة أو أكثر أنشئت في فترات زمنية مختلفة بعضها يرجع إلى العصر المملوكي والأخر إلى العصر العثماني وكثير منها شيده الأهالي ايضا لتسهيل العبور أمام منازلهم أما من حيث أسماء هذه القناطر فبعضها نسبة إلى مشيدها أو إلى المكان الواقعة فيه أو إلي الشارع العمودي علي مجرى الخليج والذى تؤدى إليه القنطرة من أحد الاتجاهين كما استمر بناء القناطر على الخليج المصري في عصر أسرة محمد علي باشا ومن هذه القناطر قنطرة شاهين باشا الواقعة بين قنطرة عمر شاه وقنطرة درب الجماميز وقنطرة الموسكي وقنطرة السد وقنطرة الأميرية وقنطرة السباع وقنطرة الخروبي وكذلك قنطرة ثابت باشا وقنطرة الأمير حسين وقنطرة بين السورين الواقعة بين قنطرة الموسكي وقنطرة الشعراني وقنطرة سكة حديد السويس الواقعة بين قناطر الإوز وقناطر بني وائل
فالخليج المصري إذن يعتبر.صفحة حية شاهدة على تجربة مميزة عاشتها مصر المحروسة ولكنها لم تستمر إلى اليوم وذلك نتيجة لإهمال الحكومة لهذا المرفق الهام وعدم تطهيره ونتيجة لسلبيات وسوء سلوك بعض الأهالي تجاه الخليج من إلقاء القاذورات والقمامة والمهملات والحيوانات النافقة به وعدم تنظيفه أولا بأول مما أدى إلى ركود بقايا المياه فيه وتعفنها فكان أن انبعثت الروائح الكريهة منه وأصبح من أكثر الأماكن التي تنتشر فيها الحشرات الضارة والجراثيم التي تسبب الأمراض والأوبئة ولذلك لم تتردد الحكومة في ردمه واستغلال مساحته في تسيير خطوط الترام الجديدة التي تم إنشاؤها في القاهرة خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين لربط أحياء القاهرة ببعضها البعض بوسيلة مواصلات سريعة ورخيصة خدمة لأهالي المحروسة وخاصة في الفترة بين عام 1896م وعام 1898م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وأزيلت معه القناطر التي شيدت فوقه ولتنطوي وتنتهي بذلك صفحة الخليج المصري ولم يتبقَ منه سوى إسم يحمله الشارع فقط
ويعتبر شارع الخليج المصرى أو شارع بور سعيد من أطول شوارع مصر ويعد حاليا محورا مروريا هاما في منطقة وسط القاهرة حيث يمتد من مدينة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية حتي ميدان فم الخليج بحي المنيل وهو يتقاطع مع شارع الأزهر عند ميدان باب الخلق وهو من أهم ميادين القاهرة وكذلك فهو يصل ميدان باب الخلق جنوبا بميدان باب الشعرية شمالا وكذلك لايفوتنا أن نذكر أنه توجد بذلك الميدان عدة أبنية هامة منها مديرية أمن القاهرة ومتحف الفن الإسلامي ودار الكتب والوثائق المصرية القديمة كما يوجد بشارع بورسعيد قرب درب الجماميز بالسيدة زينب مسجد أثرى من العصر العثماني تم بناؤه عام 1680م يسمي مسجد ذو الفقار ويطلق عليه أيضا إسم مسجد غطاس نسبة إلى الأمير ذو الفقار الذى توفي عام 1690م وكان قد تولي إمارة الحج 11 مرة في عهد الوالي العثماني حمزة باشا

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى